يخطئ البعض، كما يوضح الكاتب حسام شاكر، حين ينظر إلى السياسات الوحشية الحديثة باعتبارها أقل فظاعة من الفظائع التاريخية التي طبعت ذاكرة البشرية، مثل جرائم الحرب العالمية الثانية. يحيّد هذا التصور الزمان عن المعادلة، ويغفل تطور أدوات الردع والضوابط التي نشأت لتمنع تكرار مثل تلك الوحشية.

يشيف في مقال نشره موقع ميدل إيست آي أن الواقع المعاصر يفرض قيودًا متعددة، لا تقتصر على الأطر القانونية والأخلاقية العالمية، بل تشمل أيضًا الفضح الفوري عبر وسائل الإعلام التي تصعّب إخفاء الجرائم كما حدث في عصور سابقة، حين استطاعت إمبراطوريات وجيوش التستّر على مجازرها لسنوات.

كشفت خطابات الكراهية والقوانين العنصرية والسياسات الاستيطانية المنظمة طبيعة المشروع الصهيوني، كما فضحت مجازر العقود الماضية في فلسطين الوجه الحقيقي للاحتلال. لم تُترك هذه المجازر للزمن حتى يكشفها، بل ظهرت بالصوت والصورة، وشهد عليها العالم لحظة بلحظة.

تتجاوز وحشية العدوان على غزة حدود الحرب التقليدية. فخلال أقل من عام، استُهدفت أحياء بأكملها، ودُمرت مناطق سكنية فوق رؤوس ساكنيها، وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال. تجاوز العدوان التدمير المادي ليصل إلى محو كل مقومات الحياة: الصحة، التعليم، المياه، الكهرباء، الإعلام، الثقافة، والأمل.

يشير المقال إلى أن استخدام القنابل الضخمة، وحرمان السكان من المساعدات، واستهداف الصحفيين والمسعفين والمدارس والمستشفيات، جميعها عناصر تُظهر توجّهًا متعمدًا نحو الإبادة لا العمليات العسكرية التقليدية. لم تنجُ حتى الملاجئ التي احتمى فيها المدنيون بإشراف الأمم المتحدة.

يرى الكاتب أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي لا يخفي نواياه، بل يعلنها بوضوح في تصريحات مسؤوليه، ويبررها بروايات دينية وقومية متطرفة. تكشف هذه التصريحات عن تصور استعلائي يعتبر الفلسطينيين "كائنات أقل"، ويبرر قتلهم باعتباره دفاعًا مشروعًا.

عندما تُرتكب هذه الفظائع في عصر القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومع وجود محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن، فإن الصمت الدولي ــ أو دعمه الضمني ــ يعكس خللًا أخلاقيًا خطيرًا. يدين الكاتب التواطؤ الغربي، وخصوصًا دعم الولايات المتحدة وبريطانيا العسكري والدبلوماسي، الذي يمنح الغطاء السياسي للعدوان، رغم توثيق آلاف الانتهاكات بحق المدنيين.

ترفض بعض الحكومات حتى وصف ما يحدث بالإبادة، وتتهم من يتبنى هذا التوصيف بـ"معاداة السامية"، محاولة خلط المفاهيم لشل أي تحرك قانوني أو شعبي ضاغط. ومع ذلك، يزداد وعي الشعوب يومًا بعد يوم، وتتصاعد الاحتجاجات حول العالم، ويُبنى زخم قانوني وأخلاقي يُذكّر بفترات كفاح الشعوب ضد الفصل العنصري والاستعمار.

يؤكد شاكر أن جرائم غزة لا تشكّل "ردّ فعل على حماس"، كما يحاول البعض ترويجه، بل تكشف عن مشروع مستمر منذ النكبة، هدفه اقتلاع الشعب الفلسطيني، وإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا بقوة النار.

ينتهي المقال بالتأكيد على أن هذه الجريمة لن تُنسى، وستظل وصمة في جبين العالم، كما حدث مع مذابح سابقة في رواندا والبوسنة. قد تتأخر العدالة، لكن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يعفو، ومن يروّج لإفلات الجناة من العقاب اليوم، قد يُحاكم أمام ضميره وأمام أبنائه في الغد.

https://www.middleeasteye.net/opinion/why-gaza-genocide-ranks-among-gravest-horrors-human-history